اصدقاء المدونه على فيس بوك

الأربعاء، 30 نوفمبر 2016

أمل.. سندريلا القصر المفقود بشيطان السحر!

أمل.. سندريلا القصر المفقود بشيطان السحر!










لما أبو زينة
" المسافة ساعة ونصف, الطريق طويل ومبهم لمنتظر الخلاص, الآن, وبعد  سنتان, كيف ستكون الأمور بعد هذه الزيارة؟ هل سأعود أنا كما كنت؟ ماذا سأفعل عندما أعود؟ ربما سيختلف الأمر قليلاً ربما كثيراً لن أستبق الأمور لعل ما أظنه لن يكون, رب أرجوك الخلاص وفقط".

طيلة ساعة ونصف لم تبرح كل تلك الأسئلة ذهن أمل- 25 عاما – من مدينة طولكرم وهي في طريقها لمدينة جنين,  تلك التي لم تكن تعلم أن حلماً صغيراً أخفته في طرف صدرها سيؤدي بها إلى دوامة ليس لها باب للخروج منه ليسرق من عمرها سنتان من الألم والأمل المفقود.

من هنا بدأت.. وهنا انتهيت!

" أربع سنوات كاملة, كنت بطلتها منذ اليوم الأول, أرسم لسندريلا قصرها وأسرج أميرها خيلاً أبيضاً, لتتوج السنين الأربعة بعمر كامل يتلوها"

تبدأ أمل سرد حكايتها من البداية, " بعد أن انهيت دراستي الجامعية بدأت العمل كممرضة في إحدى مشافي مدينة رام الله, كنت كثيرة الضحك والمزح مع جميع الموظفين هناك لكن لم أكن من محبي التقرب من الجنس الاخر إلا في حدود العمل, وبعد فترة قصيرة من عملي هناك تعرفت إلى شاب يعمل ممرضاً في القسم المجاور للقسم الذي أعمل فيه, تحدث إلي عدة مرات لكي يتقرب إلي لكنني كنت دائمة الرفض لأي علاقة من هذا النوع".

لكن رفض أمل للاستجابة لطلب زميلها لم يدم طويلاً فكيف لها أن تصمد أمام قلبها الذي انجذب إليه وأن تعصي أمره بالحب, ومن هنا بدأت أمل بالتواصل مع زميلها محمد.

تتمازج الدموع في عينيها وتستذكر ما خلا " استمرت علاقتي بمحمد 4 سنوات رسمنا فيها حياتنا بشكل متسق, تعرفت إلى والدته وأخواته, بنا خلالها بيتنا الذي حلمنا فيه, وكنت على اطلاع بكل تفاصيله حتى أني اخترت بلاط أرضيته ولون جدرانه وكل شيء, ولم يتبقى سوى خطوة واحدة يتقدم فيها محمد لخطبتي, وبهذا يتحول حلم كلانا واقعاً".

اختلفت الحكاية قليلاٌ في الفترة الأخيرة التي جمعت أمل بمحمد, فقد أصبح محمد دائم التهرب منها وكثير الشكوى لا يلقي بالاً لتهديداتها بالرحيل ولا يستمع لحديثها مطلقاً, ومع كل هذا لم تكن أمل لتصدق أن لحكايتهما أن تنتهي يوماً فكل الدلائل تكاد تجزم حتمية ارتباطها بمحمد مهما حدث.

ومع تراكم الأحداث انقطعت أمل عن الحديث مع محمد أسبوعاً كاملاً لتترك لروحه فسحة للراحة وحتى يفكر جيداً بتصرفاته لعله يستقيم وتعود بعدها الأمور لما كانت عليه وأفضل.

لم تستطع أمل كبح شهوة عينيها بالبكاء هذه المرة فتلك الغصة العالقة في صدرها لم تبرح مكانها حتى إذا استذكرت ما حدث من جديد فاضت بما اكتنزت لتخفف ثقلاً ضاقت به الروح ذرعاً, " عندما كثرت مشاكلنا قررت أن انقطع عن الحديث مع محمد أسبوعاً كاملاً حتى يشعر بخطئه ويعود كما سبق لكنه لم يفعل وأنا لم أعد أحتمل, وقمت بالاتصال به لأطمئن عليه وأعاتبه وأخبره كم اشتقت إليه وأن علينا أن نختزل الحزن من قصتنا ونخطو خطوة جديدة بالارتباط الرسمي وأن أفضل طريقة تبقينا سوياً أن يتقدم لخطبتي".

رتبت أمل الأفكار في رأسها وهيأت نفسها لفرحة ظنت أنها واقعة لا محال, " تناولت هاتفي وطلبت رقم محمد بسرعة, انتظرت ثواني قليلة حتى أجاب محمد, لقد كان صوته مكسوراً عندما قال "نعم أمل" اهتز قلبي حينها وهوت كل الامال التي كنت قد رتبتها فيه, سألته على عجل عن حاله, اكتفى بعبارة واحدة عندها" أنا خطبت اليوم كانت قراءة فاتحي ما تسأليني كيف وليش انا نفسي ما بعرف".

كانت تلك العبارة كافية لتقسم ظهر أمل وتسلبها صفة اسمها الذي تحمل, وتهوي بها لأسفل درك بعد أن كانت تلامس سحب السماء, وتستكمل " صمت لحظة عندما أخبرني بنبأ خطبته وأخبرته أن تلك المزحة مؤلمة جداً وليست أسلوباُ يتبعه معي ليعاقبني على بعدي, لكنه أصر عليها وقال لي " مشان الله ما توجعيلي قلبي اسكتي وبس" وأغلق بعدها الهاتف أدركت حينها أنه جاداُ في كلامه وأن الطامة الكبرى حلت بي".

عندما تأكدت أمل من نبأ خطوبة محمد من إحدى زميلاتها في المشفى استسلمت للأمر الواقع وأثرت أن تكمل دراسة الماجستير لكي تنسى ما حصل.

رحلة مرضها!

6 أشهر مرت على خطوبة محمد, اعتادت فيها أمل الحياة دونه بروتينية قاتلة كانت تكثر فيها من الدوامات الليلية بحسب ما تقتضيه طبيعة عملها لتتفادى رؤية محمد صدفة في إحدى المناوبات الصباحية,  لكن أعراض غريبة بدأت ترافق أمل الغثيان واخضرار الأطراف وضعف عام في جسدها, وكلما توجهت إلى طبيب أخبرها أنها سليمة وأن ما تشعر به ليس إلا إرهاق عمل وأن عليها ان تريح جسدها قليلاً لتعود أفضل مما كانت عليه.

تجاهلت أمل ما بها من إرهاق وطردت كل وساوس الشيطان من رأسها لتكتفي بما أخبرها به الأطباء بانها سليمة وفقط, لكن حالتها بدأت تسوء في كل مرة وأصبحت في زيارة دائمة للمشفى محمولة على نقالة كجثة هامدة, يعود الأطباء بعد إجراء كافة الفحوصات ليأكدوا سلامتها من أي مرض.

تحاول أمل أن تحصي عدد المرات التي وقعت فيها أرضا واستفاقت بعدها لتجد نفسها على سرير أبيض في المشفى ذاته, " استمرت حالي في التدهور لكنني لم اعد أشتكي لأحد واعتبرت حالتي أمراً واقعاً وأن علي تقبله, وصرت اتقرب من الله كثيراً في صلاتي وعبادتي حتى صار ملجأي الوحيد ورفيقي الذي أبث إليه ضعفي وقلة حيلتي".

تغاضت أمل عن مرضها طيلة سنة ونصف ولكن مع اقتراب موعد زفاف محمد ازداد الأمر سوءاً عندما بدأت تشعر بألم شديد في معدتها لم تستطع معه أن تتناول الطعام أبداً مع أنها تخلو من أي علة أو مرض كما أكد لها الأطباء مجدداً.

تمسح عينيها بطرف كمها وتدرك دموعها التي أغرقت وجنتيها بمنديل اخر, " كدت ان أصاب بالجنون وأصبح اهلي في حيرة من أمرهم والأطباء كذلك, جسدي سليم لكنني عليلة ولا أحد يعلم ما أشعر به كأن سكاكين تقطع جسدي ورأسي يدور حتى اني أكاد ان اسقط وأنا أسير في الشارع وحدي".

شهر كامل لم تأكل فيه امل سوى لقيمات صغيرة, خسرت خلاله نصف وزنها حتى بدت عظام وجهها ظاهرة للعيان وليس باستطاعة أحد أن يفعل لها شيئاً, حتى اقترح أحد أقربائها يوماً أن يجلب صديقه الشيخ ليرقيها لعل عيناً أصبتها فأهلكتها.

يتحدث هنا علي شقيق أمل وهو يمسك بيدها كمن يخشى ضياع روحه أو فقدها, " بعد أن ضاق بنا الحال اقترح علينا عمي أن يحضر صديقه الشيخ ليرقيها فقد يكون ما بها حسد أو عين, وفعلاً جاء الشيخ وبدأ برقية أمل, وما أن بدأ بقراءة القران حتى أصابت أمل حالة غريبة تشنجت يدها اليمنى وقدمها كذلك وأصبحت تنطق بغير وعي وتخبر بأن ما أصاب أمل كان بسبب السحر الذي عملته لها إمرأة وبدأت بذكر اسمها لكننا لم نكن نعلم من هي ولم يكن اسمها وارداً بين أقاربنا".

لكن عائلة أمل لم تتعامل مع الأمر بجدية على اعتبار أنهم لا يؤمنون بأن للسحر القدرة على الإخلال بتوازن شخص إلى هذا الحد ورفضوا أن يأخذوها لأي شيخ يرقيها بعد هذه المرة.

ما يفرقون به بين المرء وزوجه..

وهكذا حتى مضت 5 أشهر إضافية وحالة أمل أسوء مما كانت عليه ولا وسيلة للخلاص, وعلى الرغم من رفضهم وأمام رغبة أمل المتواصلة في أن يأخذها أهلها إلى شيخ ليرقيها مجدداً, ذهب علي شقيق أمل برفقة عمه إلى صديقه الشيخ وما أن بدأ برقيتها حتى نطقت مجدداً وأكدت على اسم المرأة مرة أخرى وأضافت بأن السحر الخاص بأمل مربوط بسحر لشاب اسمه محمد مدفون في مدينة جنين تحت شجرة زيتون أمام بيت محمد.

أصاب عندها أهل أمل شك بما سمعوا وقرروا الاعتقاد بشيء من الصدق بما تكرر, يقول علي  " لقد أصابنا الجنون وقررنا أن نبحث عن الفتاة التي ذكرت امل اسمها وبالفعل وجدنا بيتها بعد أن تتبعنا اسم العائلة"

تعود هنا أمل لتكمل ما أسمته رواية خرافية لن تصدق أي من تفاصيلها لو رأتها أمامها بعينيها, " عندما بحث شقيقي عن الفتاة التي ذكرت اسمها بمساعدة المخابرات اكتشفت أن تلك الفتاة هي ذاتها زوجة محمد, صقعت مما سمعت وأخبرت أهلي أن لا يتحدثوا إليها مطلقا خوفاً أن أظلمها باتهامي لحقدي على محمد بعد ما فعله بي وأن ما خرج عن لساني ليس إلا تهيؤات داخلية لا اساس لها من الصحة".


اقتنعت عائلة أمل بما قصته عليهم خاصة بعد أن أخبرتهم بقصتها مع زميلها محمد, لكن شقيقها علي لم يطمئن باله بعد حتى يقطع شكه بما ذكر عن تلك الفتاة, يقول علي" لم أكن مطمئناً كلياً لما أخبرتني به أمل مع أنه مقنع جداً لكنني ربما أثرت أني ارضي فضولي وأقطع شكي بشيء من اليقين, فقد اتفقت مع عمي والشيخ الذي رافق أمل منذ بداية قصتها أن نأخذ أمل ونذهب إلى جنين وأن نقوم بالبحث عن حجاب أسود تحت شجرة الزيتون التي أخبرتنا عنها أمل, وفعلاً ذهبت أنا وعمي والشيخ في المساء وأوقفنا السيارة أمام بيت محمد بحجة أن عطلاً قد أصابها وذهبت أستريح تحت الشجرة التي شككت بها وحفرت جانبها مسافة قليلة وبالفعل وجدت منديلاً أسوداً مخيطا على شكل مثلت أخذته بسرعة إلى الشيخ الذي سرعان من فكه ليجد فيه صورة شخصية صغيرة لأمل وكذلك لمحمد مشكوكة بإبر في العينين والقلب لتفرق محمد عن أمل وتمنع ارتباطه بها, احتفظنا بما فيها حتى عدنا إلى طولكرم وأبطلناه بالماء والملح".

كأنما شيء من الخيال طغى على الواقع, فمنذ تلك اللحظة اختلف حال أمل وانطلق جسدها للحياة بعد أن أسره المرض سنتان كاملتان, " منذ تلك اللحظة شعرت بجسدي كريشة نقية خفيفة لا تشوبها شائبة, وحمدت الله كثيرا بعد ان فقدت الأمل بشفائي."

0 التعليقات:

إرسال تعليق